يُعتبر فيلم الممر من أبرز الأفلام الوطنية التي شهدتها السينما المصرية في العقد الأخير، حيث يعكس بوضوح تضحيات الجيش المصري وبطولاته خلال فترة ما بعد نكسة 1967 وحتى حرب الاستنزاف التي مهدت لحرب أكتوبر 1973. الفيلم من إخراج وتأليف شريف عرفة، وقد حقق نجاحًا كبيرًا على الصعيدين الجماهيري والنقدي، نظرًا لتقديمه صورة واقعية وملهمة عن الجيش المصري في واحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخه.
خلفية تاريخية
في يونيو 1967، تعرضت مصر لهزيمة ثقيلة في الحرب ضد إسرائيل، والتي عُرفت بـ”النكسة”، حيث احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية، وقطاع غزة. كانت هذه الفترة من أكثر الفترات صعوبة في تاريخ مصر الحديث، ولكنها كانت أيضًا بداية مرحلة جديدة من التحدي والصمود. بدأ الجيش المصري فورًا في إعادة بناء قدراته العسكرية والتحضير لمواجهة جديدة مع العدو، والتي عُرفت بـ”حرب الاستنزاف”.
تعتبر حرب الاستنزاف (1967-1970) واحدة من أطول الحروب التي خاضتها القوات المسلحة المصرية ضد إسرائيل. تمثلت هذه الحرب في سلسلة من العمليات العسكرية التي تهدف إلى استنزاف القوات الإسرائيلية وتهيئة الجيش المصري لخوض معركة حاسمة لاستعادة الأراضي المحتلة، وقد كان لفيلم الممر دور بارز في تسليط الضوء على هذه المرحلة.
قصة فيلم الممر
تدور أحداث فيلم “الممر” حول قصة قائد الصاعقة المصرية نور، الذي يقوم بدوره الفنان أحمد عز، وهو قائد كتيبة من الصاعقة يتم تكليفه بمهمة في قلب سيناء خلال حرب الاستنزاف. الفيلم يأخذ المشاهدين في رحلة مع هؤلاء الأبطال الذين خاضوا معارك شرسة ضد العدو الإسرائيلي، متناولًا التحديات الجسدية والنفسية التي واجهوها.
يركز الفيلم بشكل رئيسي على الروح القتالية العالية والإصرار الذي أظهره الجنود المصريون خلال تلك الفترة، حيث يبرز الفيلم كيف كانت هذه المعارك بمثابة تدريب واستعداد لمعركة أكتوبر 1973. يعرض الفيلم أيضًا العلاقات الإنسانية بين أفراد الجيش المصري، بما في ذلك العلاقات الأسرية والمجتمعية التي تعزز من تصميمهم على النصر.
الشخصيات الرئيسية
• نور (أحمد عز): هو قائد كتيبة صاعقة شجاع وذو خبرة عالية، يكرس حياته لخدمة بلاده واستعادة كرامتها بعد النكسة. يُظهر نور القيادة والحنكة في التعامل مع التحديات، ويصبح رمزًا للإصرار والتفاني.
• إبراهيم (محمد فراج): يمثل إبراهيم جنديًا مصريًا بسيطًا يُجسد روح الجندي المصري العادي الذي يواجه الحرب بشجاعة، رغم قسوة الظروف.
• أحمد رزق بدور الصحفي: يضيف عنصرًا مهمًا إلى الفيلم، حيث يمثل الشخصية التي تنقل تفاصيل الحرب إلى الجمهور وتعطي منظورًا إنسانيًا للمعارك.
• إياد نصار في دور الضابط الإسرائيلي: يعكس الصراع المباشر بين الشخصيات المصرية والإسرائيلية، ويبرز التحديات التي واجهها الجيش المصري في مواجهته مع عدو مدرب ومجهز.
الرسائل الوطنية في الفيلم
فيلم “الممر” مليء بالرسائل الوطنية التي تعكس قوة وإصرار الجيش المصري على تحقيق النصر رغم الصعوبات. من بين أبرز هذه الرسائل:
1. الروح القتالية: يُظهر الفيلم أن الجيش المصري لم ينكسر بعد النكسة، بل استمر في التدرب والتحضير لاستعادة الأراضي المحتلة، وكان ذلك من خلال عمليات بطولية لم تتوقف رغم كل التحديات.
2. الوحدة الوطنية: يعكس الفيلم وحدة الشعب المصري خلف قواته المسلحة، حيث كانت الروح الوطنية تجسد في كل مشهد، بدءًا من الجنود على الجبهة وصولًا إلى المدنيين الذين يدعمونهم في كل خطوة.
3. التضحية من أجل الوطن: يسلط الفيلم الضوء على تضحيات الجنود المصريين الذين بذلوا حياتهم من أجل الدفاع عن كرامة مصر واستعادة أراضيها.
4. التحدي النفسي: يتناول الفيلم تأثير الهزيمة النفسية على الجيش المصري بعد نكسة 1967، وكيف تمكن الجنود من التغلب على هذه الحالة النفسية المحبطة وتغييرها إلى حالة من العزيمة والإصرار على النصر.
الإخراج والتصوير
أحد الأسباب الرئيسية لنجاح “فيلم الممر” هو العمل المميز الذي قام به شريف عرفة في الإخراج. استفاد عرفة من أحدث تقنيات التصوير السينمائي لضمان تقديم مشاهد المعارك بصورة واقعية ومبهرة. تم تصوير العديد من المشاهد في مواقع طبيعية في الصحراء، مما أضاف مصداقية للأحداث التاريخية التي يرويها الفيلم.
استخدم الفيلم تأثيرات بصرية متقدمة جعلت مشاهد الحروب تبدو أكثر واقعية وإثارة، مما زاد من تأثير الفيلم على الجمهور. بالإضافة إلى ذلك، تم الاستعانة بتقنيات حديثة في تصوير المعارك الجوية والاشتباكات المباشرة بين القوات المصرية والإسرائيلية.
الموسيقى التصويرية
لعبت الموسيقى التصويرية، التي قام بتأليفها الموسيقار عمر خيرت، دورًا هامًا في تعزيز الشعور بالدراما الوطنية. الموسيقى قدمت خلفية ملحمية للأحداث، وساعدت في إيصال مشاعر الفخر والتحدي التي يعيشها الجنود في الميدان. كما أنها أضافت لمسات عاطفية للمشاهد الإنسانية التي تعبر عن تضحيات الجندي المصري.
الاستقبال النقدي والجماهيري
عند صدور “فيلم الممر” في عام 2019، حقق نجاحًا هائلًا على مستوى شباك التذاكر، حيث تجاوزت إيراداته العديد من الأفلام المصرية الأخرى في تلك الفترة. كما حظي الفيلم بإشادة نقدية واسعة، حيث أثنى النقاد على الأداء التمثيلي المتميز والإخراج القوي.
الفيلم ليس فقط نال إعجاب الجمهور في مصر، بل حقق أيضًا شعبية كبيرة في الدول العربية، نظرًا لتناوله قضية قومية تهم جميع العرب وهي الصراع العربي الإسرائيلي. وقد تم عرضه في مناسبات وطنية مثل ذكرى نصر أكتوبر، مما عزز من مكانته كعمل سينمائي وطني بامتياز.
مقارنة بفيلم “السرب” وأعمال وطنية أخرى
فيما يخص الأعمال السينمائية الوطنية، يأتي فيلم “الممر” كواحد من الأفلام التي تنقل التجارب الحقيقية للحروب التي خاضها الجيش المصري. بالمقارنة مع فيلم السرب، الذي يركز على العمليات العسكرية الجوية ضد الإرهاب في ليبيا، يتميز “الممر” بتسليط الضوء على العمليات البرية في سيناء ضد جيش مدرب وقوي مثل الجيش الإسرائيلي.
أما بالمقارنة مع أفلام وطنية سابقة، فيُعد فيلم “الممر” تطورًا ملحوظًا من حيث الجودة الإنتاجية والتقنيات السينمائية، حيث رفع الفيلم من سقف التوقعات فيما يخص الأفلام الوطنية، وأصبح معيارًا للأعمال التي ستأتي بعده.
الخاتمة
يُعتبر فيلم الممر ملحمة سينمائية تجسد تضحيات وبطولات الجيش المصري خلال فترة حرجة من تاريخ مصر. من خلال تقديمه قصة ملهمة عن الشجاعة والتحدي، يعزز الفيلم الشعور بالانتماء والفخر بالجيش المصري. يعد “الممر” إضافة مهمة إلى تاريخ السينما الوطنية، ومرجعًا للأجيال القادمة لفهم مرحلة هامة من تاريخ مصر الحربي والسياسي.